الجمال والأجمل منه.

[arabic-font]

سحرُ صوتِ مرآة توشوش في أذن مرأة: نعم، مَليحة أنتِ.
لونُ تغريبةِ شمس في تسريحة شعرها. أحمرُ شفتيها. كحلُ عينيها. بسمةٌ لا تخلو من تكلّف. طلّةٌ آسرة…
خمارٌ ناعمٌ على عنق. قطعةُ قماشٍ مشلوحةٌ على كتف. هما من الحسن بمكان.. جمالٌ على جمال.
زوائدُ تزيد. تضفي حُسنا. تمرّر مسحةَ جمالٍ عابرة. ولكنّ أحلى النساء هي عندي، مَن خَفَتَ حُسنُ وجهِها وتضاءلَ جمالُ طلّتِها، عند جمالِ نفسِها، وعفّةِ لسانِها، وطيبةِ طويّتِها، وطُهرِ نيّتِها، وحلاوةِ حضورِها.
شيبتُك هيبتُك، سيّدتي.


جدّةٌ لولدين. جاوزت الستّين. غبارٌ راكمته السنونُ على رأسِها. تطرّز زهرةً على قميصِ الصغيرة.
حفيدٌ وحفيدةٌ في عمر الوردِ المتحفّزِ يحدّقان في الرأس الأبيض. يتساءلان، يسألان.
يرتمي الصبيُّ في حضنِ جدّتِه. الصغيرةُ على كتفيها.. تمرّر أناملَ صغيرة في شعرها. تحاول نفضَ الغبار عنه. لا تفلح…
الغبارُ على رأسك كثيرٌ يا جدّتي.. هو يزيدك جمالا يا جدّتي..!
تبتسمُ للوجهِ المنيرِ.
سحرُ شعرِك يا تاتا. من أين لك هذا؟
من يديكِ المباركتين يا صغيرتي.. كلّما مرّرتِ أصابعَك فيه، لمسَ رأسي ملاكٌ، وراكَمَ الغبارَ في شعري.
حقا يا جدّتي؟ إذا سأحرصُ على تمرير يدي كلّ يوم. وستكونينَ الأجملَ بين الجدّات…
وتفوزُ الصغيرةُ بقبلةٍ بين عينيها…


بعد أربعين سنة..
الحفيدةُ الصغيرةُ أمّ لبنتٍ وولدين. الحفيدُ أبٌ لولدٍ وبنتين. عينُ الربّ تظلّلُ البيتين. الجدّةُ تسهرُ من فوق. تسقّطُ ما تيسّرَ لها من ثمار.
مَن كانت دون العاشرة تجاوزت الأربعين. شعيراتٌ بيضاءُ بدأت تغزو رأسَها. تنمّيها، تعتني بها، تتباركُ منها. تُحدّث الأولادَ عن جدّتِها، وعن غبارِ رأسِها، وعن طيبِ نفسِها، وعن طهرِ روحِها، وعن البَرَكَةِ التي كانَتْها، وعن النعمةِ التي صارتها..!
ويتكرّرُ المشهدُ. كلَّ أربعينَ سنةٍ مرّةً..!


صورةُ مريمَ المرسومةُ في سطورِ مؤلّفاتِ ماريا فالتورتا تقولُ لنا الكثير. يا لَبهاءِ وجهِك المكلّلِ بشيبةٍ، يا أمّ النور…
وجبَ التأمّلُ مليّا بملامحِ مريمَ، والتفكيرُ عميقا بسرِّ جمالِها المشعّ من “أنشودة الإله الإنسان”.
وجبَت قراءةُ هذا الكتاب…

[/arabic-font]