عودٌ إلى حادثة سير بطرس على المياه.
سرد الحادثة بحسب ما ورد في إنجيل متى الرسول:
لَمَّا أَبْصَرَهُ التَّلاَمِيذُ مَاشِيًا عَلَى الْبَحْرِ اضْطَرَبُوا قَائِلِينَ: «إِنَّهُ خَيَالٌ». وَمِنَ الْخَوْفِ صَرَخُوا! فَلِلْوَقْتِ كَلَّمَهُمْ يَسُوعُ قِائِلاً: «تَشَجَّعُوا! أَنَا هُوَ. لاَ تَخَافُوا». فَأَجَابَهُ بُطْرُسُ وَقَالَ: «يَا سَيِّدُ، إِنْ كُنْتَ أَنْتَ هُوَ، فَمُرْني أَنْ آتِيَ إِلَيْكَ عَلَى الْمَاءِ». فَقَالَ: «تَعَالَ». فَنَزَلَ بُطْرُسُ مِنَ السَّفِينَةِ وَمَشَى عَلَى الْمَاءِ لِيَأْتِيَ إِلَى يَسُوعَ. وَلكِنْ لَمَّا رَأَى الرِّيحَ شَدِيدَةً خَافَ. وَإِذِ ابْتَدَأَ يَغْرَقُ، صَرَخَ قِائِلاً: «يَا رَبُّ، نَجِّنِي!». فَفِي الْحَالِ مَدَّ يَسُوعُ يَدَهُ وَأَمْسَكَ بِهِ وَقَالَ لَهُ: «يَا قَلِيلَ الإِيمَانِ، لِمَاذَا شَكَكْتَ؟».
قلتُ في كلام سابق إنّ سير بطرس على المياه لم يكن بقوّة إلهيّة، ولكن بإذن إلهيّ. كان السير بقوّة ذاتيّة مردّها إلى كمال الإيمان الإستثنائي.
عندما طلب بطرس من يسوع أن يأمرَه ليأتيَ إليه، قال له يسوع: ” تعال ” . كلمة مختصرة تتضمّن إذنا، وليس أمرا.
أبصره التلاميذ وظنّوا أنّه خيال. قال لهم: تشجّعوا أنا هو.
السؤال: هل يجب أن نفهم كلمة “أنا هو” بمعنى: أنا معلّمكم يسوع، أم أنا ربّكم وإلهكم؟
أميل إلى المعنى الثاني الذي يخبّئ حثا للتلاميذ لأن يؤمنوا بألوهيّته دون تشكّك. فهمي للكلمة هو: ” أنتم مع الله، لا تخافوا ” .
قول بطرس المتشكّك: ” يا سيّد، إن كنت أنت هو، فمُرْني أنْ آتي إليك على الماء”. عبّر عنه بكلمة يا سيّد، وليس يا ربّ. بطرس مدركٌ هنا أنّ من هو على الماء يسوع، ولكنّه يطلب تأكيدا على أنّه الربّ.
كأنّي به يقول: إن كنت أنت الإله المتجسّد فباستطاعتك أن تجعلني أثق بقدرتي على المشي على الماء. أعطني إذا هذه الثقة..
لمّا مشى بطرس خطوات على الماء، تأكّد بالعقل، ولكنه خاف أيضا بالعقل. ما التأكيد الذي اكتسبه؟ أجزم بأن إيمانه توطّد بكون يسوع هو الربّ، وليس بكون الماشي على الماء هو يسوع.
صرخته، وإذ بدأ يغرق، تعبّر عن تموضعه الإيماني الجديد. لم يقل هذه المرّة: “يا سيّد”، بل ” يا ربّ نجّني ” .
موقف مشابه نقع عليه في مشهد المواجهة، بعد القيامة والصعود، بين يسوع من جهة، وشاول الطرسوسي ( بولس ) من جهة ثانية، وقد كان شاول متّجها الى دمشق لأسر أبناء الربّ . عندما سمع شاول الصوت السماوي يسأله: ” شاول شاول لماذا تضطهدني”، قال: ” مَنْ انت يا سيّد ” ؟ بعد هذه الحادثة، وإذ توطّد الإيمان، ما ذكر شاولُ يسوعَ، إلّا وقال: الربّ يسوع.
“مدّ يسوع يده وأمسك به“. يدُ السماء الممدودة إلى الأرض، بدءا من لحظة خروج الخاطئَين من عدن.
المشهد جسّده مايكل أنجلو في لوحة اليدين الممدودتين. يدٌ تستغيث. يدٌ تُغيث. يدٌ من الأرض. يدٌ من السماء..
أُدعُه يُجبْك.
سِرْ خطوة واحدة.. يسِرْ خطوتين اثنتين..!
إفتحْ له الباب.. يدخلْ .. يتعشّى معك.. وأنت معه…!