أنْ تكونَ مسيحيا لا يعني أنْ تتّخذَ موقفا من الإسلام

[arabic-font]

إتّهامات متبادلة كثيرة بين أنصار الديانتين تبلغ أحيانا حدّ الإهانة والتجريح. مواقف هجوميّة جاهلة توحي للسامع أو القارئ لها بأنّ مطلقَها بعيد كلّ البعد عن الموضوعيّة، وهو إنما يهدف الى انتقام أو ردّ شتيمة أو ضرر.
أقولُ وقد أخذني الإحباطُ لسماع بعض الحاشدين من الديانتين: لو سلّمنا بكون القرآن فرضَ على المسلم أن يتموضعَ سلبا أو إيجابا في موقفه من النصارى، موصيا بالرفق بهم حينا والقسوة عليهم حينا آخر، فإنّ المسيحيّة لم تفرضْ على المسيحيّ المؤمن، أو الساعي إلى الإيمان النيّر، أن يتّخذ موقفا إيجابيا أو سلبيا من الإسلام أو من أيّة ديانة أخرى.
إتّهام المسيحيّ للنبيّ محمّد بكونه تأثّر بلاهوتيين صنّفتهم الكنيسة في قرونها الأولى في خانة الهرطقة ورمت الحُرمَ عليهم، أو تبرئته من هذه التّهمة، لا يعدو كونَه بحثا تاريخيا يتناول حقبة زمنية محدّدة، شهدت نشاطا فكريّا دار بمعظمه حول اتّحاد طبيعتي المسيح اللاهوتيّة والناسوتيّة، أو انفصالهما، وحول صلبه وبنوّته لله أو لمريم أمّه.

البحث التاريخيّ هذا، إن هو اتّخذ طابعا أكّاديميّا والتزم بشروط علميّة محدّدة، يكون مفهوما وضروريا لسلامة الحركة الثقافيّة والفكريّة، وهي تشترط حريّة الرأي والمعتقد. أمّا إن هو اتّخذ طابع الإتّهام الشعبويّ، أو البحث عن الكلمة لدعم موقف ثابت غير قابل للتعديل، أو البناء على خلفيّات عاطفيّة ومواقف شعوريّة بحتة؛ فهنا ينزلق البحث إلى مدارجَ لا جدوى من الكلام فيها. المواقفُ هذه تصيرُ من الخطورة بمكان، إنْ هي توسّلت العامّة من الناس والغوغاء من الشبّان، للتصفيق لها وتوسيع قواعد الحديث فيها.

أقول للمسيحيّ المتحمّس لدينه: إن كان هدفُك الإيمان، فلستَ مُطالبا باتّخاذ موقف سلبيّ أو إيجابيّ من الإسلام. إنّ الربّ لا يخيّرك حسما بين اعتقادين: محمّد النبيّ الذي تلقّى وحيا سماويّا بواسطة الملاك جبريل، أو محمّد السياسيّ الطامح  لبناء دولة العرب على أسس وحيٍ موهوم. هذا لن يقدّم إيمانك، ولن يُكسبَك مراكز مميّزة في مسالك الواصلين السماويّة…

[/arabic-font]