لا تقلْ لي إنّك ما كتبتَ إلا لتحقّق ذاتك. هذا ضعفٌ ولو وجب تفهّمه. أنا كاتباً، ما كتبتُ إلّا لقارئ أحببته. وعيتُ حبّي له أو لم أعِ. هذا في المطلق، فكيف لو كان الكاتب مؤمنا عنيدا إلتزم أمام سيّده بأن يكونَ كلمتَه.
أكون كاتبَ الحقّ أو لا أكون. إذا كنتُ فأنا أديب، أكتب لأنّي لا أستطيع إلّا أن أفعل. والأديب لا يكتب ليشعرَ بلذةٍ بل بفرح. الفرح منبتُه فوق، وهو يُنزّل على الكاتب الحقّ من فوق. تنزيلُ الفرح لا يكون للمكافأة إنّما للتكليف. والتكليف لا يكون إلّا لمن خرج من نفسه واقتدرَ في معركة المحبة والتبليغ. وإذا لم تكن الكتابة على هذا النحو فهي ثرثرةُ هذا العالم وضجيجُه .
أنت إذا قلتَ أنا أكتب لأحققَ نفسي، فكيف تتحققُ نفسُك دون الآخر وهو قارئك؟ الذات تمّحي في الكتابة حيث لا مكان للغنج والتدلّل.
السيّدُ في عظمته والذي عرّفه يوحنا الرسول بأنّه ” الكلمة ” لم يدُر حول نفسه ليحقّق ذاته. هو بحث عن الآخر وتأنّس من أجله وعلّم وقوّم لأنّه يحبُّ وليكونَ فرحُه كاملا به. هو كلمةُ الآب وأنت كلمتُه. فهل يُعقل أن تكونَ كلمتَه وتستلذّ بها أنت؟
أن تكتبَ للقارئ ولأنك تحبّه فهذه خطوتُك إلى الإبداع . لا يُبدعُ من لا يُحبّ. أنت تُلقي كلمتَك فقط لقارئ هو وارثك الحقيقيّ، وقد تعي ذلك أو لا تعيه. لكن في الحقيقة، انت وهو في وحدة، ولو غير مرئيّة . وإلّا ما معنى أن يتشوّقَ القارئ لمقالتك ويفرح إن وقع عليها؟ المشتَرَكُ بينكما هو الإلهام. أنت المُنتدَب المتلقّي للالهام المُلقى عليك من فوق، وهو متلقّيه منقولا إليه بواسطتك. وفي يوم، بعيد أو قريب، قد يكون هذا المتلقّي ناقلا للحقيقة التي استلمها منك .
الحقيقةُ واحدةٌ لم تتغيّر. قالها المُبدع الوحيد منذ آلاف السنين، ثمّ منذ الفي سنة. وكلّ ما يفعله مذذاك، إنه ينتدب أشخاصا فيبلّغهم همساً، وهم يُلبسون الحقيقة هذه في كلّ مرّة حُلّةً جديدة ًويعلنون عنها.
عند ذاك الذي كان هاهنا، لا فرقَ بينك كاتبا وبين الآخر قارئا. انتما واحد. أنت استلمت الإبداع ثمّ سلّمتَه. ألأصلُ ليس فيك هو فيه، وأنت كلمتُه .
وهل يبقى من فارق بين الكاتب الاديب الملهَمَ وبين الرسول؟